الخميس، 26 أغسطس 2010

الخلطة السرية للطبخة الطيبة والبناء الجميل .. وكل شيء ..

مرحبا بكم ..

قد تعجبنا بعض الأكلات والطبخات من أيادي أمهاتنا أو أصدقاءنا الذين يحبون الطبخ ويرغبون في التجديد فيه بإضافة بعض النكهات الجديدة والغير مسبوقة ..

لكن ما أحب أن اذكره هنا ، هو أن هناك مكوّناً سريّاً خطيراً لا ينتبه إليه في كثير من الأحيان ، بل حتى لا ينتبه إليه الطبّاخ نفسه !! مما يجعله يعتقد في نفسه أنه أصبح طباخاً ماهراً .. ولكنه في بعض الأيام يتفاجأ أنه يضع نفس المكونات والمقادير التي استخدمها ، ومع ذلك لم تخرج الطبخة بنفس تلك الروعة التي خرجت بها في السابق ..

إن هذا المكوّن الرئيسي لا يمكن أن يعبر على بالكم أبداً ... إنه : ( النيّة ) !!

نعم .. النيّة .. النيّة لها تأثير كبير جداً في تطييب وتخريب أي عمل كان .. سواء كان طبخة أو حتى عمارة بناية أو منزل ..

فعندما تكون النيّة لعمل ذلك العمل طيبة وصافية وصادقة وخالصة .. فعندها سيكون العمل جميلاً مبهراً يأتي بالنتائج المثيرة والمبدعة .. ولكن إذا كانت النية خلاف ذلك .. فإنه سينعكس على شعوراتنا سلبياً تاثير تلك النية التي أقيم بها ذلك العمل ..

بمعنى آخر : نحن نأكل النوايا ، ونسكن في النوايا ، ونجلس على النوايا ، بل حتى نعزف على النوايا .. فكم من عازف عود أعجبه عود ما ، بسبب أن صانعه رقيق وحساس وشخص غير مادي ، بينما لا يحب عوداً آخر لأنه أحس بأن صانعه ربما كان خشناً أو مادياً ، أو يصنع للصناعة ، لا أن يصنع للفن ، أو يصنع بلا إحساس يرافقه أثناء عملية الصنع .. كعملية إنتاجية وحسب ..

ويذكرنا هذا الكلام أيضاً بالقرآن ، فقد ذكر القرآن مسجد الضرار ، الذي بُنِيَ من أجل تفريق المسلمين في المدينة والتسبب بالضرر لهم .. نجد أن الله سبحانه أمر رسوله بأن لا يصلي في ذلك المسجد ( لا تقم فيه أبداً ..) ، لأن النية التي كانت أصل بناء ذلك المسجد هي نية شر ، مع أن البناء هذا هو مسجد ! اي أنه بيت لله ، والناس يتعبدون فيه !! فما المشكلة من إبقائه ؟؟

هنا نهى الله رسوله عن الإقامة فيه ، وهدم الرسول ذلك المسجد .. وقال القرآن بعد الآية السابقة : ( لَمَسجدٌ أُسّس على التقوى من اول يوم أحقُّ أن تقوم فيه .. ) .. هنا أشار الله سبحانه لأفضلية المسجد الأول لأن النيّة في بناء ذلك المسجد كانت طيبة نقية خالصة ، وهي نية تقوى الله ..

النيّة هي المكوّن الحاسم للنجاح أو الفشل في عمل اي شيء ..

تهافت المنهج العلمي .. (خداع الحواس وعدم كفاية التجربة)

يفخر العلم دائماً بمنطقيته وتوافر الأدلة العلمية والتجريبية على كل ما يقول في الكون والحياة بشتى مجالاتها ، مما جعله في منزلة رفيعة سامية تكاد تلامس الحقيقة المجردة .. ولكن هنا نقف لحظة ..

إن المنهج العلمي المعتبر به عند البشر ، هو ما قامت بتأكيده العقول التي بدورها (مرتبطة) بالحواس الخمس : البصر - السمع - الحس - الشم - الذوق .. وقد قام العقل كله بناء على معطيات هذه الحواس التي تغذّيه على مدى 24 ساعة متواصلة كل يوم .. ولكننا نجد أيضاً ، أن حواسنا تقوم بنوع من (الخداع) علينا .. فنحن مثلاً عندما نرى لوناً ما تحت إضاءة معيّنة .. ونقوم بتغيير لون تلك الإضاءة ، نتفاجأ أن اللون السابق قد تحول إلى لون آخر !!

إن مجرد تحوّل اللون تحت تاثير الإضاءة المختلفة ، هذا يعني عدم أصالة اللون الأساسي الذي رأيناه في الإضاءة الأولى .. مما يعني أننا تعرضنا لخداع !! وهذا عبارة عن مثال بسيط لأبسط أنواع الخداع الحسّي ، وبالتالي العقلي ، للإنسان ..

كذلك يفتخر المنهج العلمي بأنه منهج التجارب .. فهو يؤكد على أنه يتبنّى ما ثبت بالتجربة (المشاهدة) .. وها هنا يقع المنهج العلمي أيضاً في خطأ الخداع .. فأولاً ليست التجربة بحد ذاتها دليلاً قاطعاً على ثبوت الشيء أو الأمر ، فربما توافق ما ننوي الوصول إليه من نتائج و ربما لا توافق ذلك .. 


ثانياً : ثبوت الشيء بالتجربة ليس دليلاً على المنطقية ، فلنفرض مثلاً أن طفلاً فتح باباً قد علّق فيه جرس من الجهة الأخرى ، يهتز فيصدر أصواتاً كلما فتح الباب .. عندها يقول لنا الطفل : لقد ثبت بالتجربة أن فتح أي باب يؤدي إلى إصدار أصوات تشبه أصوات الجرس .. وبالتالي تتحول هذه المعلومة إلى مسلمة بديهية منطقية لدى الطفل الذي استنتج ذلك بالتجربة .. وبالطبع هذا غير صحيح .. ونحن البشر تماماً كالطفل في علاقتنا مع هذا الكون الفسيح الكبير بكثير أكثر منّا .. والذي لا ندركه طبعاً .. وبالتالي فإن تصوراتنا ستظل ناقصة عن هذا الكون بل حتى عن ابسط الاشياء فيه ، وإن التزمنا بمنهج التجربة ..

ثالثاً : نجد بعض العلماء التجريبيين يقول عن تجربة ما : إنها لن تنجح ، مع أنه لم يقم بالتجربة و يرى هل هي فعلاً لن تنجح !! مما يعني أنه استخدم "حدسه" في هذا الموضع ولم يستخدم منهجه التجريبي .. مما يؤكد على عدم كفاية التجربة بحد ذاتها دليلاً على الاثبات او النفي للشيء ..

افتراضات خرافيّة ..

- أرفض خرافات واقبل بأخرى ..

تحدث عالم الفضاء والكونيات الامريكي كارل ساجان في حلقة تجمعه مع ارثر سي كلارك وستيفن هوكنج ، تحدث ساجان عن الخرافات و الأساطير الفلكلورية والدينية والأسطورية لبدايات نشوء الكون .. وأشار إلى أنه يستبعدها لتناقضها مع بعضها البعض .. ولأن العلم قدّم نظرية الانفجار الكبير على أنها النظرية العلمية الصحيحة لبداية الكون ..

وبعد دقائق من الحلقة نفسها ، حوّل مقدّم البرنامج ماجنوس ماجنوسون السؤال له عمّا إذا كانت توجد هناك كائنات أخرى أو حضارات أخرى .. فأجاب بتفاؤل كبير بأنه قد توجد هناك حضارات أخرى ، ربما وصلتها أمواج البث التلفزيوني عبر المجرة ، وربما أنها لا تهتم لأمرنا بسبب شدة ذكائها وأنها حكمت على الحضارة البشرية بأنها حضارة بدائية لا تستحق حتى الوقوف عليها او زيارتها ..

لقد استغربت جداً أن يقول عالم فضاء وكونيات مثل هذا الكلام ، فهو لم يستدلّ على أن هناك إجابات كونية من حضارات أخرى .. ولو كان علمياً عليه على الأقل أن يقول أنه لم تصلنا حتى الآن إشارات صوتية أو كهرومغناطيسية من الخارج لتجيبنا عن تساؤلاتنا .. أما أن يفتح المجال لخياله وأن يفترض وجودها وأنها لا ترى الحضارة البشرية شيئاً ، فهذا الكلام ليس بعلمي على الإطلاق !

في النهاية ، نرى أننا مجبرين من قبل العلماء أن نرفض خرافات الدين ، وأن نقبل بخرافات العلم .. 



---------------------------------------------------------------------

- لماذا هذه الافتراضات الساذجة ؟؟


عندما كان الضيوف ، خصوصاً كلارك وساجان ، يتحدثون عن مسألة الحضارات البعيدة .. كانوا يتحدون عن : حضارة ذكية جداً ، أذكى من البشر ، وربما أنها وضعت الكوكب في حجر صحي بسبب شدة بدائية الحضارة البشرية ، وأنه ربما وصلتها إشاراتنا الكهرومغناطيسية ولم يستجيبوا لها بسبب البدائية البشرية ..

السؤال : لماذا يفترض هؤلاء أن تلك الحضارة تشابه تصرفاتنا نحن ؟؟ فأكثر الناس يتقزز من أدوات ووسائل بعض الحضارات البدائية أو القبائل المنعزلة الأفريقية مثلاً .. فإذا كانوا كذلك ، فلماذا يفترضون أن تلك الحضارة البعيدة متقززة منهم أيضاً ؟؟ وهل يوجد ما يثبت أنهم مثلنا ؟؟ هذا إن كانوا موجودين ؟؟!! ولماذا نفترض اختلافهم عنا وبنفس الوقت تشابههم معنا في الصفات كالتقزز وما شابهه ؟؟ أليس هذا تناقض ؟؟ هل هم مثلاً حضارة تطوّرت من البشر – تطوّراً داروينياً – وغادرت هذا الكوكب البائس بالنسبة لها لتعيش في مجرة أفضل ؟؟

عندما أتأمل مثل هذا الكلام .. أرى أن هناك هدفاً مشتركاً تدعمه كل من الداروينية وعلماء الفضاء أمثال ساجان .. وهو : تحقير الحضارة البشرية والإنسان .. فالداروينية تعيده إلى أنه اشترك في أصله من شامبانزي ، وبالأخير أصله البكتيريّ .. وأمثال ساجان الذي يفترضون وجود حضارات متقدمة جداً ترفض وتحقّر الإتصال بالحضارة البشرية بسبب بدائيتها ..

أصبحنا الآن حائرين بين تطورنا الدارويني ، وبدائيتنا الساجانيّة .. نحن عند داروين في أعلى سلم التطور والذكاء الحيواني ، وعند ساجان في أحط سلّم التطور والذكاء التقني ..

نحن أذكى الحيوانات .. وأغبى المتحضّرين .. ولا واحدة من هاتين الجملتين نستطيع إعتبارها مدحاً للجنس البشري ..

والسؤال الكبير هو : لماذا الإتفاق على إنحطاط الإنسان ؟؟ من المستفيد من هذه الفكرة والتصورات ؟؟

وقفة تأملية فكرية بسيطة ..

على هذا الكوكب ..

الإنسان دائماً محتاج ..

أليس هذا صحيح ؟؟

أعتقد ذلك ..

السؤال هو :

لماذا الإنسان يحتاج ؟؟

ربما يكون الجواب الصحيح هو :

لكي يستطيع أن يعيش بشكل أفضل ..

حسناً إذاً ..

بناء على ذلك ، سيكون السؤال التالي هو :

إذا كانت الحاجات الإنسانية ، سبباً رئيسياً في أن يبحث الإنسان عن التخلص من هذه الحاجات ، من أجل أن يعيش حياته بشكل أفضل ..

فهذا يعني أن الحاجات الإنسانية ، عبارة عن (نقص) .. بدليل : أن الإنسان إذا تخلّص من حاجاته ، اصبح يعيش بشكل أفضل .. ( أي بشكل كامل ومريح) ..

أليس كذلك ؟

أعتقد أنكم لا تزالون توافقونني ..

حسناً إذاً ..

هنا نستنتج نتيجة مهمة ..

وهي :

أن الإنسان (ناقص) أصلاً ..

بدليل أنه يحتاج .. والحاجة تعبّرعن نقص لديه ..

أليس كذلك ؟

حسناً ..

هنا يظهر لنا سؤال :

ما هو الشيء الذي يحتاج فينا ؟؟

أعتقد أن الجواب هو : الشعور الإنساني الموجود فينا .. هو الذي يحتاج لكي يعيش بشكل أفضل ..

ومن بطن الإجابة تولد سؤال آخر :

إذا كان الشعور هو الذي يدفعنا - عن طريق الحاجات - إلى البحث عن الأفضل الذي يناسبه .. فهل هذا يعني :

أن الشعور يعلم ( مسبقاً !!) ما هو الأفضل ؟؟

هل يُعقل ذلك ؟؟

كيف يكون لشيء ما بداخلنا ، معرفةٌ وعلمٌ بالأفضل ، في مجالات ربما لا نعرف عنها شيئاً ، أو قد نكون في بداياتها وعلى عتبات أبوابها ؟؟

إن عقولنا لا تعرف شيئاً عن الموضوع الذي سندخل فيه ، بينما شعورنا يعطينا أحكاماً بالأفضل واللاأفضل في نفس الموضوع !!

أليس هذا مثيراً للعجب ؟؟

فإن كنتم قد وافقتموني على كل ما سبق ، فبهذا نستنتج شيئاً مثيراً ..

وهو : أن الشعور الإنساني ، شيء خارق للعقل !! إنه يعرف ما لا تعرفه عقولنا !!

ويستطيع أن يقيّم الأمور والموضوعات ويحكم بالأفضلية واللا أفضلية فيها !!

إن مواصفات الشعور الرهيبة هذه ، تقفز بنا إلى ابعد من ذلك ..

يبدو الشعور وكأنه شخص بداخلنا يعاني منّا نحن !!

لا نفهمه !!

لا نحترمه !!

لا نقدّره !!

ولكنه أفضل منّا !!!

وكأن هذا الشعور .. ينتمي إلى عالم ليس من عالمنا المادي العادي العقلي ..

يبدو وكأنه ( شعلة مقدّسة إلهية) .. تعيش فينا نحن البشر ..

إنه شيء كامل .. و(الكامل) هو الذي دائماً يُطالب ( أي : يحتاج) .. لكي يعيش بشكل (أفضل) ..

الأناني الصغير .. والمعلّم الكبير ..

قدم الأناني الصغير إلى الشجرة حيث يجلس المعلم الحكيم تحتها ..

قال الأناني : يا معلّم ، أليس من حقّ الشخص أن يُطالب بأشيائه التي تخصّه إذا أعارها للآخرين ؟

تأمل الحكيم برهة وقال : يا عزيزي .. من حقّك أن تُطالب بحقّك .. ولكن عليك أن تتقبّل أنّك نزلت درجة عن الفضيلة ..

قال الأناني متعجّبا : وكيف ذلك يا معلّم ؟

أجاب الحكيم : هل ذاك الشيء الذي أعرته للآخر ، هو لك فعلاً ؟؟

اندهش الأناني : ماذا تقصد يا معلمي ؟ لم أفهمك ؟

أجاب الحكيم بإبتسامة خفيفة : أقصد ، هل أنت فعلاً صاحب ذاك الشيء ؟ ألست أخذت ذاك الشيء أيضاً من آخرين ؟ سواء جاءك كهديّة أو اشتريته أو بأي طريقة أخرى ؟

قال الأناني : نعم صحيح ..

أجاب الحكيم : إذاً ، فهو في الحقيقة ليس لك .. بل إنتقلت ملكيته إليك مؤقتاً ..

أجاب الأناني بإهتمام : نعم ؟ ثم ماذا يا معلّم ؟ مالذي تريد أن تصل إليه ؟

أجاب الحكيم : يا عزيزي .. لو عرفت حقيقة من يملك الاشياء ، لما توقّفت عند هذه المسألة .. الله سبحانه وتعالى هو مالك الملك ، وإليه يرجع كل شيء ..

انبهت الأناني !!

واصل الحكيم : ولو عرفت هذه النقطة ، لما كنت ستطالب بأشياء فقط لأن ملكيّتها آلت إليك مؤخراً .. ولكن دعني أعطيك نصيحة ..

قال الأناني بتلهّف : ما هي ؟

قال : إذا كنت ولا بد محتاجاً فطالب بأشياءك من الآخرين .. فقط عند الضرورة .. ولكن إن طالبت بها إرضاءً لأنانيّتك .. فأنت وشأنك ..

ابتسم الحكيم ، فما مضى الحكيم إلا والأناني يمسك رأسه ويقبّله ، ويقول له : شكراً لك أستاذي ، لقد احسست براحة كبيرة تجاه ما تقول ..

ابتسم الحكيم مرة ثانية ..

ومضى ..

بديهية بسيطة .. وعميقة ..

* في الظلام ، تبدو جميع الاشياء متشابهة ، فالكل غامق ، ويميل لونه إلى الأسود أو البنفسجي الليلي .. ولكن عندما يطلع النهار على الأرض ، فإن كل شيء يبين ، ونعرف كل شيء بلونه الخاص الذي يبيّنه تماماً ، ويكشفه كما هو ..

إن حالة الظلام والضوء .. تبدو مثل حالة الجهل والعلم .. ففي الجهل كل شيء متشابه ، وهذا هو تعريف الجهل بإختصار شديد : ( الجهل هو التشابه ) .. تماماً كالظلام عندما نرى الأشياء فيه .. ولكن العلم يبين كل شيء على حدة ، ويضع كل شيء في مكانه وتصنيفه المناسب ..

وهنا نتذكّر قول الله تعالى : ( .. الذي أخرجكم من الظلمات إلى النور ..)

الإصلاح ..

هناك نقطة تبدو أنها تفوت على الكثير عندما يتحدثون عن الإصلاح .. فهم دائماً يستغربون الحديث عن الإصلاح العالمي (أوضاع العالم)  ، بينما يرون أن الأولى هو الإصلاح المحلّي ( أوضاع الحكّام والساسة) ..

وأستغرب أن يقف هؤلاء النقّاد عند الإصلاح المحلّي (إصلاح الحكّام والساسة) ، بينما الجانب المهم بل والأكثر أهمية في الإصلاح ، هو جانب الفرد ذاته والمجتمع تباعاً له ، نجده مهملاً إلى حد كبير.. دائماً نتحدّث عن أنفسنا ومجتمعاتنا وكأنها لا تفعل البواطل والسوء أبداً ، بل هي مجتمعات نقيّة مكوّنة من أفراد طاهرين ، يوتوبيا ، مدينة فاضلة ، إلخ .. بينما نجد صاحب الدكان يغشّ زبائنه ، والزبون يتحايل على صاحب الدكّان ليشتري بأقل سعر ممكن . والزوج يخدع زوجته ، وتبادله الخداع أيضاً من وراءه ، والاصدقاء مبنية علاقاتهم على المصالح والمصالح فقط ، وهكذا نرى سوء الأخلاق الموجود على مستوى الفرد والمجتمع ، ولا نطالب بإصلاحات إجتماعية و فردية .. لأننا نعلم العلم المؤكد أنه لا يمكن (إجبار الإصلاح) على الفرد ، لأن إصلاح الفرد نفسه خيار شخصي أولاً وأخيراً ، ولا يمكن لأحد أن يثبت عكس ذلك ، وإلا فسيقع في مغالطات لا نهاية لها ، وبالتالي فإذا كان إصلاح الفرد ذاته خيار شخصي ، وأختار الفرد أن يصلح ذاته ، حينها سيكون فرداً صالحاً ، وإذا تهيّأت الظروف لأكثر من فرد أراد تصليح نفسه وأجتمعوا ، فسيكون ذاك التجمّع صالحاً ، ولو أن الظروف ساقت تلك التجمّعات لتتجمّع في أمّة ، فستكون هذه الأمة أمّة صالحة ، وسيكون قائدها - مثلها - صالحاً ..

بمعنى آخر ومختصر : لا يتحدّث أحد عن إصلاح سياسي ، وهو لم يتجاوز الإصلاح الفردي ، وليس كلامي هذا منعاً وقطعاً للإمكانية ، ولكن لأن الإصلاح لا يسير إلا بهذا الإتجاه ..

لا يتحدث أحد عن إصلاح الكبير ، وهو لم يتجاوز إصلاح الصغير . لا يتحدث أحد عن إصلاح القائد أو الحاكم أو حتى الأمّة ، وهو لم يتجاوز إصلاح ذاته وأسرته ومن حوله من القريبين ..

هذا الكلام لا أدافع به عن حاكم ولا قائد ، ولكن الحقيقة دائماً هي أثمن من كل شيء ..

حكاية الدين ..

إن الله لا يعذّب الكافرين لأنه سادي كما يزعم الملحدون كثيراً .. بل لأن العذاب والنار هما (عقوبة الجريمة الأخلاقية) ..

وبالعكس يكون النعيم والجنة هما ( جزاء ومثوبة الإلتزام الأخلاقي ) ..

إن حكاية الله مع البشر ، ليست في طاعة أوامر وإجتناب نواهي وإلتزام بشرائع محددة للنجاة فقط.. لا ، هذا كله غير صحيح ..

إن حكاية الله مع البشر ، هي حكاية (أخلاقية) ..

الله يتعامل بالأخلاق مع البشر ، فمثلاً الله هو البادئ والخالق لهذا الكون ، مما يعني أن الله يعطي ، والعطاء عبارة عن فضيلة وخلق ..
والله خلق الإنسان وجعل ما في الكون (مسخراً) ومهيّئاً له .. وهذه نعمة وفضيلة أخرى أعطاها للإنسان ..
والله خلق السمع والبصر والحس للإنسان من أجل أن يعرف كيف يتعاطى مع العالم من حوله .. وهذه نعمة أخرى ..
والله وهب الإنسان عقلاً يفكر فيه ، ويستعمله لحل المشاكل التي تواجه في حياته .. وهذه نعمة أخرى ..

لا استطيع أن استمر في تعداد نعم الله علينا فقط ، فكيف بالنعم التي لا نعلم ؟ ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ، هكذا قال الله عن نفسه ..

عند استحضار هذه النعم في بالنا .. نجد أنفسنا غارقين في الديون الأخلاقية مع الله ، فهو صاحب النعمة والفضيلة علينا في كل شيء ..

نحن البشر الآن مديونون عند الله ، ولا بد من طريقة لنردّ هذا (الدَّيْن) الذي علينا لله سبحانه ، أو على الأقل بعض منه ..

هنا تأتي فكرة (الدِّيْن) تماماً .. لتسد هذه الأزمة المقلقة أخلاقياً للإنسان الذي يجد نفسه مثقلاً بالديون الأخلاقية الإلهية ..

الدين ما هو إلا استرداد للديون الأخلاقية الإلهية ، أو بالأحرى بعضها ، بل أقل القليل منها ..

وبالتالي ، فإن الله (يحاسب) الناس على (ديونهم) الأخلاقية التي عليهم .. "لاحظ أن المصطلحات البين قوسين تشبه تماما المصطلحات التي نستخدمها في المديونية" ..

ولكن البشر لهم حرية إختيار مكفولة بالضرورة .. فبعض الناس (ينكر) هذا الدّين الأخلاقي الذي عليه لله ، بأي شكل كان ، وهي مختلفة ومتباينة جداً .. وهذا النكران للدين ، سوف يُحاسَب عليه المنكر للأخلاق ، وهذه المحاسبة هي المحاسبة الأخروية ، وبالتالي يستحق المنكر النار ، لأنه لم يسدد الديون الأخلاقية التي عليه ، وهو سيعترف بها لاحقاً هناك في الآخرة ، ولكن بعد فوات الأوان ..

والبعض الآخر يقرّ بوجود هذا الدين الأخلاقي الذي عليه ، وبالتالي فهو يتبع ديناً يسدد من خلاله المستحقات التي عليه لله ، ومن فعل ذلك لله وحده ، فهو الذي سينجو من العقاب الأخلاقي الأخروي ، ويفوز بالنعيم لأنه أوفى الأخلاق إلى صاحب الأخلاق ..

هذه هي حكاية الدين ، الدين هو الخيط الدقيق الذي يمسك بأحجار الأخلاق الكريمة والفضائل ، المحيطة كالعِقْد على رقبة الإنسان ..

الثنائية .. في الكون والحياة وكل شيء ..


مرحبا بكم ..

هنا سأطرح موضوعاً فكرياً ، وهو نتيجة مشاهدات وملاحظات في هذا الكون وهذه الحياة..

ألا تلاحظون أنه في هذه الحياة : كل شيء يوجد له قسمين ؟ أو أنه ينقسم إلى جزئين ؟؟

مثلاً :

الرجل .. و المرأة ..
الأبيض .. والأسود ..
المادي .. والمعنوي ..
اليمين .. واليسار ..
الأعلى .. والاسفل ..
الأفقي .. والعامودي ..
الشمال .. والجنوب ..
الشرق .. والغرب ..
الجميل .. والقبيح ..
العلم .. والجهل ..
البارد .. والحار ..
الشروق .. والغروب ..
الطمع .. والإيثار ..
البخل .. والكرم ..
الصدق .. والكذب ..
الطفو .. والعوم (الغوص) ..
الحركة .. والوقوف ..
الإيجابي .. والسلبي ..
المفتوح .. والمغلق ..
النور .. والظلام ..
الهدى .. والضلال ..
السرعة .. والبطء ..
الذهاب .. والإياب ..
التكثّف .. والتبخّر ..
الصغير .. والكبير ..
العاجل .. والآجل ..
...
...
...

والقائمة تطول جداً بهذه الثنائيات التي تعجّ بها الحياة وكل شيء في الكون ..

بل ربما حتى الثنائية الواحدة ، نجد في أحد طرفيها ثنائية أخرى ..


مثلاً : الأفقي .. والعامودي ..

نجد أن الأفقي يتكون من ثنائية أيضاً : الشرق .. والغرب ..

ونجد أن العامودي يتكون من ثنائية أيضاً : الشمال .. والجنوب ..

إن دلّ هذا على شيء ، فهو يدلّ على أن الله سبحانه وتعالى يختبرنا في هذه الحياة بإختبارات كلها تقع بين اختيارين : الخير .. والشر ..

وصدق الله العظيم القائل :

وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات : 49]

فسبحان الله العظيم ..

الجنون ..

الجنون .. هل هو موجود ؟؟

دائما ما نسمع هذه العبارة يرددها الكثير والأغلب من الناس ، فيقولون عن شخص : هذا مجنون !! ونسألهم عن ذاك فيقولون : وذاك مجنون أيضاً !!

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بجديّة هو : ما هو الجنون ؟

لقد حاولت البحث عن تعريف علمي لمعنى الجنون ، والعجيب أنني لم أجد أي تعريف علمي له !! وعندما بحثت في الويكيبيديا عن الجنون Madness ، وجدت أن الموسوعة الإنجليزية للويكيبيديا تقول أنه لا يوجد تعريف علمي لكلمة جنون أو مجنون !! وأن هذه الكلمة تم استبعادها في مجالات الطب النفسي وعلم النفس لأنها ليس لها دلالة أو معنى علمي واضح ..

وفي الوقت نفسه ، تقول الموسوعة أن وصف "جنون" يُطلق عادة على الإنسان الذي لا يعير إهتماما بالمعايير الإجتماعية الاعتيادية .. ولكنه لا يصف شيئاً محددا بذاته .. هذا ما قالته الويكيبيديا ..

إن هذا يعني أن كلمة الجنون أو الوصف بالجنون ، هو وصف إجتماعي بالمقام الأول وفي الأساس ، وليس له أي علاقة بالعلم أو حتى بالعقل ..

فالجنون ليس مرضاً يصيب العقل ، إن الجنون هو عبارة عن شذوذ في التفكير عن طريقة المجتمع أو الجماعة الكبيرة من الناس في التفكير .. هذا هو معنى الجنون عند المجتمع ..

وهذا منطقيّ جداً : ألسنا نلاحظ أن الناس تطلق على المتخلّف العقلي أنه مجنون ؟ وأيضاً تسمّي المبدع والعبقري الذي لا يفهمونه ولا يفهمون ما يقصده أنه مجنون ؟؟ هل هذا يعني أن المتخلف العقلي والمبدع والعبقري كلهم نفس الشيء ؟؟ يعني : هل المبدع والعبقري متخلّف عقلي ؟؟ بالطبع لا أظن أن أحداً سيوافقني على ذلك ..

هنا يتبيّن لنا أن الجنون ما هو إلا صفة إجتماعية ، يطلقها الناس على كل من لا يوافقهم أو يتفق معهم في طرق التفكير والتعامل مع الآخرين .. وكأن الناس يعتبرون أنفسهم أنهم هم المقياس والمعيار الصحيح للعقل .. ومن يخالفهم فهو غير عاقل ، يعني مجنون ..

ولاحظوا معي أيضاً : ألا ترون أن هذه الصفة (الجنون) ، أطلقها الكفار وقريش على الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ (وقالوا مجنون وازدجر ) (ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) .. لقد كانوا يصفون الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه مجنون ، ولكن هل كان الرسول فعلاً مجنون ؟؟ لقد كان الرسول يحفظ الأمانات لهم وكانوا يسمونه الامين ، وكانوا يعرفون حسن أخلاقه وطيبه .. فهل المجنون لديه هذه الصفات ؟؟ بالطبع لا ..

إذن لماذا أتهموا الرسول بالجنون ؟ فقط لأنه يأمرهم بأن يفعلوا أشياء لم يكونوا اعتادوا أن يفعلوها ، وأنه جاءهم بأوامر جديدة وعقيدة جديدة من الله سبحانه وتعالى ، ولأنه صار يحتقر أصنامهم وآلهتهم التي يعبدونها من دون الله ، ولأنه يأمرهم بأن يأتوا الصدقة للفقراء والمساكين ، وهذه التصرفات رآها الكفار والمشركون على أنها جنون ، لأن احتقار الأصنام يعني إحتقارهم لقبائلهم وذهاب عزّهم الذي كانوا يعتزون به في تلك الأيام ، وإعطاء الصدقة يعني أنهم سيدفعون المال للآخرين ولا يجدون مقابلاً لمالهم الذي صرفوه على الفقراء ، أي أنها ليست تجارة ، تعطي القليل فيعود عليك هذا القليل بالكثير !!

فقط لأنهم لم يعلموا ما مدى الخير والعمق في الفهم الذي لدى الرسول عليه الصلاة والسلام ..

هنا نستخلص نتيجة مهمة : أن الجنون ليس شيئاً محدداً ومعروفاً .. لأن الجنون بالأصل كلمة يطلقها الناس على من لا يشابههم في التفكير ولا يتعامل معهم بالشكل المعتاد عليه ، هذا الذي يسميه الناس جنوناً ..وهكذا في كل مجتمع في هذه الارض ، فأي تصرّف لا يتفق مع مجتمع معيّن ، فإنهم سيسمّون هذا التصرّف جنوناً ..

ولكن لو سألنا أنفسنا : ما هو الجنون الحقيقي ؟؟

في رأيي أن الجنون الحقيقي ما هو إلا شيء واحد : هو الإبتعاد عن الفضائل والأخلاق والإيمان بالله.. فكلما ابتعد الشخص عن الفضائل والأخلاق والقيم ، كلما اصبح مجنوناً .. وحتى لو بدا لنا أنه إنسان عاقل ( في تعريف المجتمع لكلمة عاقل ) ، والله دائماً يصف الكفار والمشركين في القرآن بأنهم : (قوم لا يعقلون ) .. هذا هو الجنون الحقيقي ..

شكرا لكم ..

وهم الحياد

وهم الحياد

دائما ما تواجهنا هذه الكلمة - الحياد - من أجل إتخاذ موقف لا يميل إلى أي من الطرفين المتضادّين أو المنحازَين في أي قضية من القضايا ..

ودائماً ما يوصف المحايد بأنه إنسان موضوعي ومحترم ويسمع إلى آراءه ، بسبب حياديّته ..

ولكن السؤال المهم هو : هل يوجد - فعلاً - حياد في الحياة ؟

لنفترض مثلاً أن أحد الأصدقاء جاء ليبشّرك في موضوع أو أمر ما ، وهذه البشارة من المؤكد أنها ستسعدك ، مثلاً : زيادة في الرواتب هذا الشهر ..

عندما تسمع بهذا الخبر ، فأنت عندها لا تستطيع - بينك وبين نفسك - أن تصدّق هذه البشارة 100% ، لأنها ربما قد تكون إشاعة سرت بين الموظفين .. وبالتالي سوف تشك في هذا الخبر ،

الشك هنا هو عبارة عن حياد ، فلا تصديق ولا تكذيب .. نسبة 50/50.. ولكن هل هو فعلاً كذلك ؟؟

في الحقيقة أنك في داخل نفسك ( تتمنى ) لو أن هذه البشارة صحيحة وتصدق .. وبما أنّك تتمنى ذلك ، فهذا يعني - حقيقةً - أنّك قد شككت بنسبة 60/40 .. أو 70/30 بأن هذا الخبر صحيح .. أي أنّك ترجّح كفّة التصديق على كفّة التكذيب .. ولم تشك بنسبة 50/50 ..

مما يعني أن شكّك في هذا الموقف ليس حيادياً في الحقيقة ، بل هو مائل إلى التصديق بسبب الرغبة والأمنية ..

وكذلك نفس الحال لو جاءك خبر يسوءك - نقص في الرواتب لهذا الشهر مثلاً - فسوف تشكّ ، ولكن شكّك في الحقيقة مائل إلى التكذيب اكثر من التصديق ..

في هذه الحالة ، نستنتج أن الحياد ليس إلا وهماً ، وما هو بحقيقة ..

في بعض الأحيان ، خصوصاً عند الآراء المختلفة والمتضادة حول مواضيع وأمور سياسية مثلاً أو اجتماعية ، نجد من يقدّم (في رأينا ) رأياً محايداً في المسألة ، ونعتقد أنه مصيب في ذلك ، لأنه لم يدعم أياً من الرأيين المتضادين ..

في الحقيقة ، وفي أغلب الأحيان ،  لو فتّشنا في هذا الراي المحايد ، لوجدناه قد جاء من شخص ( لم يعلم حقيقة الموقف معرفة جيدة ) ، أي أنه رأي جاء من شخص جاهل بالموقف .. وربما كان الطرفين المتنازعين يعلمان بحقيقة الموضوع أكثر من الذي قدّم الرأي المحايد ..

أقصد : أن ما نسمّيه حياداً في بعض الاحيان ، قد يكون في حقيقته جهل ليس إلا ، مما يؤكد وهميّة الحياد ..

كذلك بعض الناس يرون أن بعض الافعال ليست بخير ولا بشر ، ويقولون عنها أنها أفعال محايدة ..

إن عدم إدراكنا لخيريّة وشرور تلك الأفعال ، هو ما يجعلنا نحكم على تلك الأفعال بأنها محايدة .. أعود مرة أخرى وأؤكد : أن الحياد ليس سوى جهل وعدم إدراك ..

وأخيراً ..

إن الحياد يتناقض بشكل كبير مع نظرية الثنائية في هذا الكون ، فنظرية الثنائية تقول أن في كل شيء وموضوع في الحياة ، هناك موقفان ، ولا يوجد ثالث . بينما الحياد يدّعي وجود الثالث المتوقف في المنتصف بين الثنائيات في الحياة ..

وما الحياد - في الحقيقة - إلا خدعة من الشيطان ليخدع بها المتنازعين بين الخير والشر ، فيقدّم لهم بديلاً ثالثاً ، يوهمهم به أنّه هو الأقرب للصواب من الإثنين ..

بينما هو في حقيقته أقرب للشر منه للخير ..

تحياتي ..

الله في الإحتمالات ..

الله في الإحتمالات ..

منطق الاحتمال غير صالح للتطبيق في دراسة وجود الله ..

منطق الاحتمال يدرس - فقط - الحالات التي يعرفها العقل والمنطق مسبقاً ، ويستحيل على منطق الاحتمال أن يدرس ما لا يعرفه ..

أمثلة للتوضيح :

بإمكان منطق الاحتمال أن يدرس احتمالية ظهور كتابة أو صورة على العملة المعدنية ، وذلك لأنه يعرف - مسبقاً - أنه لا يوجد إلا وجود للصورة أو وجود للكتابة في أي رمية من الرميات .

مثال آخر :

بإمكان منطق الاحتمال دراسة احتمالية ظهور ورقة الآس في الكوتشينة عند سحب احد أوراقها ، وذلك لأن علم الاحتمال يعرف - مسبقاً - أنه لا وجود إلا لـ 52 ورقة في شدّة الكوتشينة ومنها ورقة الآس ، وهو يعرف هذه الأوراق كلها وبالتحديد.

ولكن في حالة دراسة منطق الاحتمالات لوجود أو عدم وجود الله ..

فعلم الاحتمال لا يعرف - مسبقاً - أن الله موجود ، ولا يعرف مسبقاً - ايضاً - أن الله غير موجود ..

وبالتالي فلا يمكن تطبيق علم الاحتمالات على فرضية وجود الله لعدم معرفة علم الاحتمال بوجود أو عدم وجود الله ، تماماً كمعرفته بوجود ورقة الآس في الكوتشينة أو بوجود الصورة في العملة المعدنية ..

تحياتي ..

الله .. والشيطان ..

الله والشيطان ..

الله يمثّل الخير .. والشيطان يمثّل الشر ..

سنعتبر هذه المسلّمة صحيحة عند المؤمن ، وأن الملحد يوافقه عليها كباحث موضوعي في مسألة الإيمان ..ليعتبرها الملحد قصة خرافية إن شاء ..ولكن على الأقل فليعتبر بهذه المسلّمة تماشياً مع المؤمن وما يعتقده ..

الله في القرآن يأمر المؤمنين به بأن يحذروا من الشيطان ووسوسته و خطواته التي تؤدي إلى الهلاك والسوء ..

وهذا يجعل الشيطان في موقف حرج .. فبما أن المؤمن يؤمن بوجود الله ، فهو يؤمن أيضاً بوجود الشيطان ، ويعرف أن ذلك الكائن الشرير والعدو للبشرية يترصّده وبني جنسه من أجل أن يوقعه في الشرور .. أي أنه مكشوف ويحذر منه المؤمنون على الأقل ..

لكن : ماذا لو استطاع الشيطان أن ينكر وجوده عند هؤلاء البشر الذين يعرفونه ويحذرون منه ؟ أليس هذه فكرة رائعة ؟ فهي ستجعله حراً في الحراك والتصرّف أكثر مما في السابق ..

ولكن .. كيف يستطيع ذلك ؟

أها .. أليس الله هو الذي يحذّر من الشيطان ؟ كما يقول القرآن ؟

هذا صحيح ..

إذاً .. ماذا لو استطاع الشيطان أن يقنع البشر بأن الله الذي يحذّر منه غير موجود ؟

لو انهم اقتنعوا بذلك ، فبالتالي : أليس - منطقياً - عدم وجود الله ، يعني - عند البشر - عدم وجود الشيطان ؟؟

هذا صحيح ..

وهذا ما يريده الشيطان بالضبط ..

وهكذا ، تكون وصفة "الإلحاد" رائعة جداً بالنسبة للشيطان ، الذي سيتم إنكار وجوده بشكل غير مباشر من خلال إنكار وجود الله ..

فمن غير المنطقي بتاتاً أن لا يؤمن شخص بالله وفي نفس الوقت يؤمن بالشيطان !!

وهكذا .. تكون الوصفة الإلحادية جيدة بالنسبة للشيطان ..

ولكنها في الحقيقة غير ناجحة .. فهي ستدلّ بقوّة على صدق وجود الله ..

لأن حالة الإيمان تثبت وجود الله والشيطان معاً .. والحالة الإيمانية لا يسعها أن تنكر أياً منهما ..(على الأقل ، الشيطان لا يفقد ذاته في النظرة الإيمانية ، فهو موجود بالنسبة للبشر ولكنه عدو لهم ، وهذا أسوأ ما يواجهه الشيطان ) .

بينما حالة الإلحاد ستنكر الإثنين معاً ، ولكن الحالة الإلحادية هي في صالح الشيطان وليست في صالح الله ..( أي أن النظرة الإلحادية مجحفة التوازن بين الله والشيطان ، فالشيطان - بما انه يمثّل الشر - فهو سيتحرك بحرية ويقوم بتأدية عمله المعهود في الشر وإيقاع الهلاك بالبشرية )

هنا يظهر خُبث الشيطان ، فهو مستعد لأن يتم إنكار ذاته في سبيل أن يتحرّك بصورة حرة في مخططه الشرير وألاّ تعيقه المبادئ والأخلاق الإلهية التي عند المؤمن .

لسان الشيطان يقول للملحد : أطعني ، وإن شئت أنكر وجودي !! بينما المؤمن يقول : أيها الشيطان ، أنا أومن بوجودك وبأنك عدو لي ، ولذلك لن أطيعك لأني أطيع الله ..

بهذا المنظور ، سيبدو الملحد كشخص تم التلاعب به من قبل الشيطان ، ويبدو المؤمن كشخص يعرف بوجود الشيطان وشروره ويحذر منه ..

تحياتي ..

الإلحاد كموقف إنكار ..

الإلحاد كموقف إنكار ..

التعريف العام والشائع للإلحاد هو : عدم الإيمان بإله .

وبالتالي يكون الإيمان هو : الإيمان بإله .

نلاحظ أن الإيمان هو موقف إيجابي منطقياً ، أي أن معناه يحمله بنفسه ولا يتعلّق بغيره. فالإيمان ليس عالة على شيء .

بينما الإلحاد ، كما هو من التعريف : عدم الإيمان بإله ، هو موقف سلبي منطقياً ، أي أن معناه لا يحمله بذاته ، بل هو متعلّق بغيره ، وهو الإيمان بإله ، ويقف موقف المنكر له .

بالمقارنة بين الإثنين ، نجد أن تعريف الإلحاد أضعف صياغة وجوهراً من تعريف الإيمان .

بمعنى آخر : التعريف الإلحادي طفيلي على التعريف الإيماني .

العلم .. الدين الجديد ..

يُظهِر الكثير في ايامنا هذه "فضل " العلم علينا ، وكيف أننا لولاه لما تطوّرنا ولا تقدّمنا ولا ولا .. وفي الوقت ذاته يسخر ويحجّم ويقلّل من ضرورة الدين المزعومة - كما يرى  - في امور حياتنا وفهمنا للحياة والكون من خلال المنظور الديني ..

أطالع وأتعجب كثيراً عندما أرى تذلّل الخاضعين للعلم والعلماء ، وكيف قبلوا أن يهينهم العلم بأمور "غير مثبتة" و "لا مجرّبة" عنهم وعن اصولهم ، بل وربما عن هذا الكون والحياة ككل .فهم يقبلون بكل رحابة صدر وفخر ، أنهم سلالة من كائن مشترك بينهم وبين القرود ، ويعيبون على أمثال أنصار الدين والإنسان أنهم "يفاخرون" بأنفسهم ولا يريدون تقبّل هذه "الحقيقة" المرّة على حد تعبيرهم ..

وتراهم أيضاً يرفضون "أساطير" الأديان كما يسمونها ، ويرفضون كل ما ورائي وميتافيزيقي .. بينما نجد "علمهم" يقدّم لهم نفس المستوى والنوعية من "الأساطير" الميتافيزيقية العلمية .. فالكون كله نشأ من انفجار كبير : نقطة صغيرة جداً من الكتلة ، وتحوي الملايين الملايين من الطاقة . هذه الطاقة التي بدأت بالإنفجار وبدأت تتحوّل من طاقة إلى كتلة ، وعندها بدأت الجسيمات الأولية بالظهور : بروتون ، نيوترون ، إليكترون .. ثم بدأت تنشأ الذرات الصغيرة كالهيدروجين والهيليوم ، وبدأت ذرات الهيدروجين تتفاعل مع بعضها بشكل "عشوائي" لتكوّن العناصر الأخرى المركبّة والمعقّدة - طبعاً هذا كلّه عبر الملايين الملايين من السنين !! - وعندها بدأت النجوم بالنشأة ، ولحقتها الشموس والمجرات والكواكب بالظهور ، ثم - ولصدفة عجيبة - نشأت من هذه المادة التي أصلها من طاقة ، نشأت "الحياة" بأعجوبة وصدفة احتمالها جزء من مليون جزء بالمائة ! وعندما نشأت الحياة بداية في "الخلية البكتيرية" ، بدأت تنقسم وتتكاثر من نفسها حتى كوّنت تجمّعاً للخلايا ، وعندها ظهرت الكائنات الحية البدائية جداً ثم بدأت "بالتطوّر" حتى أصبحت أكثر تعقيداً وتعقيداً .. وهكذا وهكذا حتى وصلنا إلى الإنسان الموجود الآن !!!

هذه الأسطورة الميتافيزيقية "العلمية" هي التي يعتقد بها أغلب عبّاد العلم الذي يعتقدون فيه إلهاً قادراً على كل شيء ، ولكنه في بعض الأحيان يحتاج إلى بعض الوقت ليستطيع أن ينجز بعضاً من معجزاته ، فهو لا زال يتعلّم الألوهية يوماً بعد يوم !!

ويقبل عبّاد الرب الجديد "العلم" كل ما يقوله ويخبره لهم وعنهم في أي شيء .. فهم يقبلون أن يحقّرهم ولا يراهم سوى حيوانات عاشت صدفة على هذه الأرض ..

بعد كل هذا ..

ألا نستغرب من وضع غريب ومثير للتوقف والجدال حوله ؟؟

لماذا هؤلاء العبّاد الجدد يرضون بمن يحقّرهم ويسفّههم ويقلّل من شأنهم ، ويرفضون الله الذي يقول في كتابه (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم على البر والبحر ..) ؟ ويقول : (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخّر لكم الليل والنهار ، وآتاكم من كل ما سألتموه ، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ؟

ألا نتعجّب قليلاً عندما نراهم - العباد الجدد للعلم - يرمون التهم على الله بأنه مجرم وسادي ومتعطش للدماء .. ولكنهم يقبلون بربّ يسفّههم ويحقّرهم ولا يراهم شيئاً ولا يمجّد إلا المادة ؟؟ ويريد منهم أن يمجّدوها معه ؟؟

إنها أمور تستدعي النظر والتأمل ولو قليلاً ..