الأحد، 24 يونيو 2012

مقتبسات من مقال الفيلسوف الملحد التطوري : مايكل روز "كيف اصبح التطور دينا؟"


مايكل روز


كاتب هذا المقال هو الملحد مايكل روز ، بروفيسور في الفلسفة وعلم الحيوان في جامعة جيولف ، ومؤمن بالتطور الدارويني .. يتحدث هنا في هذا المقال عن كيفية تحول نظرية التطور إلى عقيدة و دين علماني له توجيهات اخلاقية و سياسية وإيمانات وعقائدية ..

يعود مايكل روز إلى القرن الثامن عشر والتاسع عشر ليبين من وجهة نظره كيف ان التطور بدأ من ايراسموس داروين (جد تشارلز داروين صاحب كتاب "اصل الانواع") ، وانتقل الى الحفيد تشارلز ، ومن ثم قام توماس هنري هكسلي (المدعو بـ"بولدوغ" داروين) بتحوير التطور إلى ما يشبه الكنيسة على حد تعبيره والتي لها مبادئها وايمانتها ، بمساعدة الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر الذي دعا إلى أن يظل المجتمع حسب التطور في جو من الصراع يبقى في الافضل والاصلح ، والبقية الضعاف يواجهون قدرهم الحتمي ..

لا اطيل عليكم .. هذه مقتطفات من المقاطع التي آمل أني احسنت ترجمتها الى حد ما ..
----------------------------------------------------------------------------------------------------

المقال : HOW EVOLUTION BECAME A RELIGION

المقتطفات :

في عام 1980 كان الحاكم اليافع لآركانساس ، بيل كلينتون ، استخف بقاعدة منتخبيه وانهزم في جولة اعادة الانتخابات. لقد تعلم درسا لن ينساه ابدا، عاد الى مكتبه عام 1982 وظل حاكما حتى تم انتخابه رئيسا. خلال تلك السنتين، احتل قصر الحاكم رجل يدعى فرانك وايت، والذي تفاجئنا بانتخابه الذي كان مساويا فقط لعدم ملائمته للعمل .    

وبدون تمحيص ، وقع الحاكم وايت على مشروع قانون قدمه ممثل الولاية للمسيحيين الانجليكانيين، وناقشته اللجنة التشريعية في اقل من نصف ساعة. هذا القانون "العادل و المتوازن" يطالب بأن لا يتم تعليم الاطفال نظرية التطور فقط ، بل الانجيل ايضا – و مأخوذا بحرفيته . فمع عملية التطور البطيئة الباردة من كائنات بسيطة لتشارلز داروين ، يجب ان يتعلم الاطفال ايضا في حصص الاحياء ، أن آدم و حواء كانوا اناسا حقيقيين، وأن طوفان نوح قد عم الارض كلها.  

الدستور الامريكي يفصل بين الكنيسة والدولة . و مهما يحمل قانون اركانساس من بيداغوجية – وهي قليلة – فإنه غير دستوري بشكل واضح. قام اتحاد الحريات المدنية الامريكية بمعارضة هذا القانون، وقبل ان تنتهي السنة اقيمت محاكمة و تم ابطال القانون. كان شاهد الاتحاد هو الخبير المشهور ستيفن جاي غولد ، بروفيسور في هارفرد ، وعالم احافير ، واشهر تطوري في امريكا ، وايضا الفيلسوف الغير مشهور والبروفيسور في جامعة جيولف ، محدِّثكم .. 

لا زلت اتذكر المناقشة في محكمة اركانساس مع احد البارزين من الحَرْفِيين (المعروفون عامة ً بالخلقيين). دواين تي.جيتش، مؤلف الكتاب الاكثر مبيعا "التطور : الأحافير تقول لا!" الذي استاء بمرارة عندما شعر بأننا – كممثلين للعلم - متعجرفون بتفوق لا مبرر له .     

قال السيد جيش : " يا سيد روز ، مشكلتكم ايها التطوريون انكم لا تلعبون بشكل نظيف. تريدون ان تمنعونا نحن المتدينين من تدريس رؤانا في المدارس. بينما انتم كالمتدينين تماما و لكن بطريقتكم. المسيحية تخبرنا من اين اتينا، وإلى اين سنذهب، وما يجب علينا فعله. إني اتحداك ان تثبت لي اي اختلاف فيها مع التطور. انها تخبركم من اين اتيتم،وإلى اين ستذهبون،وما عليكم ان تفعلوه. انتم لديكم الهكم، و اسمه تشارلز داروين".  

في ذلك الوقت كنت احتقر ما قاله السيد جيش ، ولكني وجدت نفسي افكر في كلماته في رحلة العودة. ولا زلت افكر فيها منذ حينها . فعلا لقد وجـَّهت كلماته العديد من ابحاثي في العشرين سنة الماضية. يبدو انه من الهرطقة قول مثل هذا ، والعديد من اصدقائي العلماء سيكونون سعداء لو قيدوني على الخازوق واشعلوا قطع اللحم المتناثرة . الآن أعتقد ان الخلقيون مثل السيد جيش محقون تماما فيما قالوه.  

إن التطور يروج له اتباعه اكثر من العلم الخالص . لقد اصبح التطور ايديولوجية ، دين علماني ، بديل كامل للمسيحية ، يحوي المعنى والاخلاقية. أنا تطوري مـُخلص للتطور ومسيحي سابق ، ولكن علي الاعتراف ان هذه التهمة التي وجهها السيد جيش وغيره الكثير من الخلقيين صحيحة تماما. التطور دين ، لقد كانت حقيقة منذ البداية، ولا زالت حتى يومنا هذا  

الفيزيائي ايراسموس داروين كان احد التطوريين المبكرين في القرن الثامن عشر، وهو جد تشارلز داروين. لم يكن ملحدا،مؤمنا بالإله كعلة أولى أو محرك ثابت ، ككائن يقرر منذ البداية المآل المستقبلي للطبيعة، ويضع القوانين التي لا تـُخرق ، ولا يعيد تصرفاته بدا.   

في الحقيقة كان ايراسموس داروين يرى هذه "الربوبية" كتحدٍ للألوهية المسيحية والتي تتصوّر الاله يتدخل بشكل مباشر ومعجز في مخلوقاته. بالنسبة لإيراسموس داروين، كان التطور موافقا لاعتقاده بعملية الخلق المحددة بالقوانين، والتي وضعها إله غير متدخل. لقد كان هذا الاعتقاد جزءا لا يتجزأ لدينه البديل.   

وفق هذه الرؤية ، اضاف جد داروين حماسة متعصبة لتقدم اجتماعي –  تتجسد في الثورة الصناعية – (والتي نجدها في علمه؟) . ايراسموس شاهد تقدما اجتماعيا بدأ من مجتمع قروي بسيط إلى المدينة الحديثة المعقدة ، وبالقياس على ذلك ، اعتقدَ ان التطور يتقدم عمليا من البساطة ومن الاجسام اللامتمايزة من اشكال الحياة الأولى (المعروفة بالكائنات احادية الخلية) إلى التعقيد العضوي الكبير ، الجنس البشري. 

في تقدميته تلك – خصوصا مع اعتقاده بأننا نحن البشر نثبت و نستطيع ان نثبت هيمنة وجودنا – وقف ايراسيموس بوضوح ضد المسيحية ، والتي تشدد بأن الخلاص لا ياتي إلا من خلال الإله. بالنسبة للمسيحيين، فإن مكاسبهم العظيمة عادت للصفر.
وبالتالي ظهر التطور للوجود كايديولوجية علمانية ،كبديل واضح عن المسيحية. فهو يضع القوانين مقابل المعجزات ، وبالقياس، فهو يروّج للتقدم مقابل العناية الإلهية.  

وهكذا توالت الامور ، ففي عام 1958 ، نشر ابو الفكر التطوري الحديث تشارلز داروين كتابه "اصل الأنواع" . تمنى داروين في كتابه ان يغير الامور ويجعل تاثير النظام التطوري الايديولوجي اقل. لقد قدم نظرة نظامية لعالم الأحياء. موضحا كيف ان العديد من العوامل المختلفة – كالسجل الاحفوري والتوزيعات الجغرافية للاحياء ومكتشفات الاجنة – تشير إلى التطور. و في نفس الوقت ، قدم الآلية الشهيرة "بالإنتخاب الطبيعي" : فبسبب الضغوط السكانية تزدهر بعض المخلوقات وتنتشر وبعضها لا ، وعبر العصور ، فإن البقاء للأفضل سيؤدي إلى تغيير شامل.       

ولكن كل جهود داروين أ ُحبطت جميعا من قبل مؤيده الكبير و "بولدوغه" الشهير ، توماس هنري هكسلي.


عندما مات المسيح لم يترك خلفه دينا عمليا . بل كان ذلك من عمل اتباعه ، خصوصا القديس بولس، وكما نعلم جميعا فإن مسيحية القديس بولس لم تكن متطابقة تماما مع مسيحية المسيح. تماما الرسول المعظم والمسيحية ، كان هكسلي – أحد ابرز العلماء واعظم المعلمين والمصلحين الاجتماعيين في ايامه – بدأ بإنكار ورفض التطور ، وعندما غيـّر دينه اصبحت لديه نفس الحماسة المتعصبة لبولس. 

وايضا كما فعل بولس ، وكما بجل هكسلي تشارلز داروين، وجد في كتابات المعلم تلميحا لأشياء كان يريدها هو لنفسه. ولأجل الوصول إلى غاياته، وصل هكسلي إلى نفس العواقب التي وصلها بولس قبله : نظاما عمليا ، ولكن ليس لأجل الرجل الذي عمل وبشّر من أجله .

ظهر اصل الانواع في ذلك الوقت ايام الحكم الفكتوري في بريطانيا متناسبا مع اهمية تحوّل البلاد من مجتمع مؤسس ريفياً وشبه إقطاعي و جعله ذا مستقبل مدني متحضر و صناعي. كانت هناك حاجة للتغير في كل مكان : في الخدمة المدنية، اذ يجب اخذ الأكفأ وليس من خلال الصلات. في الطب ، اذ على الاطباء ان يوقفوا قتل المرضى ويبدأون بعلاجهم. في التعليم ، اذ يجب تعلم ما يهم لليوم وليس لتمجيد الماضي. هكسلي وأصحابه غيروا في كل هذا – هكسلي نفسه كان عميد كلية، وخدم كعضو في مجلس مدرسة لندن الجديدة ، وفي العديد من المجمعات الملكية و مطلعا على امور الدولة.    
   
في الحقيقة ، وجد هكسلي ان المسيحية – خصوصا الكنيسة الانجليكانية – مدعمة بالسلطة والقوة. وحاربها بقوة ، واشهر ما يدل على ذلك عندما ناظر صامويل ويلبرفورس، اسقف اوكسفورد.( مفترضا فيما لو أن أحدا ساله من اين إنحدر هو من القرود : من جهة جده ام من جهة جدته ، فإنه سيجيب انه سيكون من منحدرا من قرد بدلا من ان يكون منحدرا من اسقف في كنيسة انجلترا.)      

وكمصلح إجتماعي ، بالتالي ، فإن هكسلي الذي اصبح معروفا في الصحف بـ"البابا هكسلي" قرر ان يوجد بديلا للمسيحية. إن التطور، بقوانينه التي لا تخترق – والذي يعكس رسائلا للتقدم الاجتماعي – كان هو المرشح الافضل. الحياة تسير على سلم متحرك يصعد للأعلى. لقد وصلت إلى بريطانيا الفكتورية. ومن يدري عن الامجاد والانتصارات التي ستتحق بعد ؟ تماما كرؤية القديس توماس – شيء يـُبشّر به طولا وعرضا ، نوادي للعمال، مجمعات علمية عامة، مجتمعات مـُناظِرَة، مجالس جامعية حيث كورنثيات وغلاطيات هكسلي.  

وبإدراك تام بأن الدين الجيد يحتاج لرسالة اخلاقية و تاريخ ايضا و وعدا بمستقبل أفضل. أخذ هكسلي يتحول تدريجيا من داروين (والذي لم يكن جيدا في دعم هكذا اشياء) تجاه تطوريين إنجليز آخرين.   

هربرت سبنسر ـ- الكاتب غزير الانتاج و الفيلسوف الشعبي جدا عند الجماهير -- شارك هكسلي في رؤيته للتطور كنوع من الميتافيزيقا بدلا من العلم الصريح. كان سعيدا بإصراره على انه حتى التوجهات الاخلاقية تخضع للعملية التطورية نفسها.  


"الداروينية الإجتماعية" ( أو بالاصح : السبنسرية الاجتماعية) اتخذت التطور كمـُلزم لحدوث الصراع و نجاح الاقلية، وهكذا اصبحت الرسالة الاخلاقية مفهومة كحماسة متعصبة للفردية الغير قابلة للتدخل. فعلى الدولة ان تبقى خارج ادارة المجتمع ولا تتدخل فيه، والافضل سيصل إلى القمة، وعلى الفاشلين ان يقبلوا بمصيرهم الذي يستحقوه. 


بالطبع توجد اختلافات بين الداروينيين الاجتماعيين. كذلك الشيوعيين والماركسيين والفوضويين برروا معتقداتهم وافكارهم بإسم داروين. لكن النقطة المقصودة هي ان تسخير التطور إلى غايات اخلاقية وحتى سياسية، جاءت خلال القرن التاسع عشر.


والمقصد الاهم من هذا كله أنها لا زالت مستمرة حتى القرن العشرين.  خضعت الافكار التطورية إلى تغييرات كبيرة في ثلاثينات واربعينات القرن العشرين، حيث تقدمت دراسات علمية تطورية متخصصة – علمٌ متخصصٌ يستطيع الوقوف على قدميه و بجدارة. غير محتاج إلى مشروع بديل يعمل كايديولوجيا علمانية. ولكن هذه الايديولوجيا العلمانية او الدين العلماني بالكاد طوى خيامه وغادر. أحد أعظم الكتب في هذه الفترة كان كتاب "دين بدون ثورة" للتطوري جوليان هكسلي، حفيد توماس هنري، لمنشور عام 1972، نقـّح الكتاب (للمرة الثانية) وإعيد اصداره في خمسينات القرن الماضي.  


كتب هكسلي : "كل الفكر والعواطف ، حتى العليا منها ، نتجت من العقل الطبيعي، والذي يمكن تتبع تقدمه البطيء في تطور الحياة. لذا في الحياة بشكل عام والإنسان خصوصا هما جزء من أجزاء جوهر العالم ، و والتي منه انبثقت خصائص الانسان العقلية الكامنة الى اوسع مداها." كالعادة قام التطور بكل شيء كان خاصا بالدين بل و أكثر.   


في وقتنا الحاضر ، تقدم التطور المتخصص. ولكن الدين القديم بقي و تقدم معه على طول الخط. التطور الان يحمل رؤاه الاسطورية. وصليب القديس جون الخاص به . عالم الحشرات والاجتماع الحيوي في هارفرد، إدوارد او. ويلسون يخبرنا بأن لدينا الآن "اسطورة بديلة" لمعاداة الدين التقليدي. {يقول :} " لديه سرده الملحمي : بداية من تطور الكون من الانفجار العظيم منذ خمس عشرة مليون سنة مضت، و عبر أصول العناصر والاجيام الفضائية حتى بدايات الحياة على الارض" .   


وبفضل التقليد القديم للتنظير التطوري – من خلال قراءة اخلاقياته ونظرته السياسية في علومه ونشرها مرة اخرى – حذرنا السيد ويلسون بأننا تطورنا بعلاقة تكافلية مع بقيةالطبيعة الحية ، وإن لم نحافظ على التنوع البيولوجي فسوف نهلك كلنا. ومعتمدا على "التدبيرية" التي تلقاها في طفولته في الجنوب المعمداني ، وعلى بلاغة وحماسة بيلي جراهام، يتسول إلينا السيد ويلسون أن نتوب ، وننهض ونعترف بخطايانا ونمضي قدما في طرق التطور. لقد فعلنا هذا ولكن في وقت قصير ، سيسقط الظلام الاخلاقي علينا جميعا.


إن لهجة ستيفن جاي غولد كانت اكثر قوة . لقد تعلمنا ان التطور "يحرر الروح البشرية" ، اذ ان نشوة التطور المطلقة "تهزم اي اسطورة عن اصل الانسان بسنين ضوئية" ، وعلينا ان" نمجد هذه السلسلة التطورية – كمكان اكثر استقرارا للروح البشرية من اي راحة ضيقة او محدودة نادت بها علوم الاعصاب المتضخمة التي تجعل مصدر الوجود الفيزيائي مجهولا وغامضا". 


رفض السيد جولد تماما القراءات التقليدية للتطور من اجل رؤية محررة وملهمة : " علينا انفترض ان الوعي لم ينشأ على كوكبنا لو ان كارثة كونية لم تجعل من الديناصورات ضحية . وبمنطق حرفي تماما ، نحن مدينون بوجودنا ، كثدييات كبيرة ومنطقية ، إلى نجوم الحظ". إذا لم يكن هذا تحديا لتعاليم اليهودية-المسيحية – والتي تقول بان وجودنا ليس عشوائيا ، بل لان الله خلق السموات والارض – فلا اعلم ماذا قد يكون .  


ما الاخلاقيات المراد اعتمادها من كل هذا ؟ ربما تعتقدون ان الوقت قد حان لانقاذ الداروينية من الداروينيين.


النقطة المهمة هي ان ندرك متى يذهب البعض من وراء العلم الجاد تجاه ادعاءات اجتماعية واخلاقية، متوقعين ان نظريتهم هي صورة محيطة بكل العالم. في الغالب الاكثر ، هناك مرحلة انتقال من العلم إلى شيء آخر، وهذه الانتقالة غير مذكورة وربما حتى غير مدركة.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق