الخميس، 7 يونيو 2012

ولم تظلم منه شيئا .. (تأملات قرآنية)




كنت اقرأ – او استمع الى- قصة الرجلين الذي جعل الله لاحدهما جنتين من اعناب ونخل وزرع في سورة الكهف مرارا .. و كنت اقرأ القصة بعينين معتادتين او اسمعها باذنين معتادتين : رجلان احدهما له جنة والاخر ربما ليس عنده ، تفاخر الاول على الثاني بعزه وكثرة ابناءه او قومه ، فجاوبه صاحبه بالجواب المعروف .. إلخ القصة .

لكني اثناء تأمل هذه القصة في بعض الاحيان ، اتساءل : لماذا ذلك الرجل (صاحب الجنتين) يفتخر بجنتيه أو بستانيه أصلا ؟ فهما – في تصوري - عبارة عن بستانين عاديين ، فيهما شجر ونخيل واعناب .. وكل مزرعة عادية في الغالب لا تخلو من هذه الاصناف !! اذن ما الجديد في الحكاية ؟ ما الذي يجعل رجلا كهذا يفتخر بجنتيه ويبالغ في وصفهما بأنهما لا تبيدان ابدا ؟ كنت اعتقد انه مجرد غرور فارغ لا معنى له من صاحب الجنة ..

لكن حصل تغيير أثـّر في شخصيا عندما تأملت تلك الآية التي كنت امر عليها مرور الكرام في القصة ، هذه الآية هي التي وضحت لي ما سبب اغترار ذلك الرجل بجنتيه ..

هذه الآية هي : { كلتا الجنتين آتت اكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا} ..

لاحظوا الجزء الأول من الآية : {كلتا الجنتين اتت اكلها ..} ، اي ان هاتين الجنتين قد اثمرت (كل) ما فيها من اشجار ، فأنتجت ثمارا !! هل رأيتم ؟؟ (كل) !!!

ان اي مزرعة او بستان ، لا بد ان نجد بعض اشجارها لم يثمر .. وهذا امر عادي ومعروف ،  لكن هاتين الجنتين آتت (كل) الثمار !! مما يعني ان هاتين الجنتين ليستا مثل اي بستان عادي .. هذه واحدة ..

الجزء الثاني من الآية : { .. ولم تظلم منه شيئا .. } ، وهذا الجزء هو الذي أثر اشد التأثير فيّ .. نعلم أن اي ثمرة او منتوج زراعي ، لا بد ان تحصل له بعض الافات و الامراض و ربما تأخر النمو والنضج ، كأن تصيب الثمرة الشمس فتضرها ، او ان تتسلط عليها بعض الحشرات و الدود او الفطريات فتضرها ، او ان ينقص الماء او السماد عليها فيتأخر نموها او تتلف ..

لكن .. كل هذه العيوب السابقة لم تصب الجنتين و أشجارهما !! { لم تظلم منه شيئا} .. ولا ثمرة واحدة من هاتين الجنتين تعرضت لضربة شمس !! ولا تعرضت لآفة حشرية او فطرية !! ولا تعرضت لنقص من اي شكل كان !!! أي : {لم تظلم منه شيئا} ..

هل تصورتم معي كيف هي هاتين الجنتين ؟ تمشي فيهما وبينهما فلا تجد ثمرة معطوبة او تالفة او معفنة .. كل الثمرات جيدة وناضجة وجاهزة للاكل !! انها مواصفات لا توجد ولا حتى عند افضل المعتنين بالزراعة في وقتنا الحاضر !! ..

والجزء الثالث الذي اكمل وصف هاتين الجنتين : {وفجرنا خلالهما نهرا) .. من مميزات النهر انه يجري باستمرار .. فتصوروا انه بعد كل تلك الصفات القوية الجبارة في الجنتين المذكورة في السابق ، أتى النهر و كمّل الباقي .. فالماء الذي يسقي الجنتين نهر جاري ، والنهر لا ينقطع جريانه .. فلا خوف ابدا من موت هاتين الجنتين .

ارأيتم معي ما سبب اغترار هذا الرجل بجنتيه ؟ جنتان آتت كل الثمار ، ولم يتلف منها شيء واحد لأي سبب ، و بينهما نهر جاري .. فماذا بعد يريد هذا الرجل ؟؟ كل شيء على احسن ما يكون .. ولهذا قال هذا الرجل المغتر عن جنته عندما دخلها : {ما أظن ان تبيد هذه ابدا} ، فهو يرى – من خلال حساباته العقلية – انه لا يمكن ان يصيب هاتين الجنتين اي مكروه ، فلا ثمارها تتلف ولا ماؤها ينقطع .. وتصور انهما ستستمران الى الابد ما دامتا على هذه الحال ، ولم يعتبر او يفكر ان من اوجد كل هذه الاسباب قادرٌ على اعدامها واعدام نفعها وكأنها لم تكن اصلا .

ولهذا رد عليه صاحبه بأن قال له : { ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله ..} ، فهنا صاحبه يذكره بأن كل هذه القوة والميزات في جنتيه انما هي من الله سبحانه ، وليست من جهود خاصة منه ، فهو لم يمنع التلف عن ثماره ولا يستطيع ذلك ، وايضا لا يستطيع ان يجعل النهر الجاري يستمر بعطاء مائه المتدفق دوما ..

هنا نجد ان الغرور ، وخصوصا في اشياء ليست بيد الشخص نفسه ، يعتبر كفرا بالمنعم الذي اعطى هذه الميزات و وهبها .. وطبعا كلنا نعرف ماذا حصل لهذا الرجل بعد ذلك من خراب جنتيه التي كان يظن انهما لن تبيدان ابدا .. لننظر كيف هي عاقبة الغرور والكفر بالنعمة .. اسأل الله ان يقينا واياكم الغرور .. و سبحان الله العظيم ، والحمد لله رب العالمين ..

هناك تعليقان (2):

  1. تامل جميل في هذه الايه ... تصورت جمال الجنتين وتدف النهر وامتلاء الاشجار بالثمار فكانت النعم مضاعفه .. ولم تقابل بالشكر ... وآفة الغرور المعنوي .. قضا على جمالها والبسها لباس الهلاك والجفاف , سبحان الله ولنا فيها عبر , وهنا وقفه فيذكرنا الله بان المؤمن قد يبتلى في الرخاء والشده .. والمؤمن الحقيقي الذي يبادر بشكر الله في الحالتين والقليل من يشكر (وقليل من عبادي الشكور ).




    يعطيك العافيه على مواضيعك الهادفه .

    ردحذف
  2. اهلا بك نايس توفي ..

    وأشكر لك هذا التعليق الجميل والمعبر ..

    اهلا بك في مدونتك :)

    تحياتي ..

    ردحذف