السبت، 12 أكتوبر 2013

عائلة الفيلسوف الفرنسي غارودي تحرق جثته رغم اعتناقه الاسلام

وأخيراً ترجل فارس الفكر والفلسفة، ورجل المواقف النبيلة، عن صهوة حصان الحياة، المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، أو كما أطلق على نفسه اسم رجاء غارودي بعد إشهار إسلامه، بعد حياة مديدة حافلة بالإنجازات الفكرية ضمنها عشرات من كتبه، وزاخرة بالمواقف الأصيلة التي أعلنها بجرأة نادرة...رافضاً كل النمطيات التي حاولت أن تكبل الحقائق، وأن تزور التاريخ...معلناً وقوفه مع الحقيقة مهما كان الثمن، والتي عرف كيف يدافع عنها في حياته، ولم نعرف كيف ندافع عنه في مماته.... فعذراً لروحك سيدي

عندما أعلن عن رحيله يوم الجمعة 15/6/2012، في ضاحية 'شامبيني سير مارن'الباريسية، توجهنا إلى مسجد باريس الكبير لنطلع على ترتيبات جنازته ودفنه، و كانت المفاجأة الأولى في سلسلة المفاجآت التي سأتي عليها، فالأخوة في المسجد لا يدرون أي شيء، وكأن الراحل ليس مسلماً وغير معنيين بدفنه حسب الشرع الاسلامي الذي توفاه الله وهوعلى دين الإسلام الحنيف. أجرينا إتصالات بالعديد من الأصدقاء الفرنسيين، حيث علمنا أن الجنازة ستقتصر على ترتيبات داخل أسوار مقبرة ضاحية 'شامبيني سير مارن' دون ان نعرف ماهية ترتيبات الجنازة والدفن بعد ظهر يوم الاثنين 18/6/2012، توجهنا مجموعة من الأصدقاء العرب إلى مقبرة الضاحية الباريسية، وعندم وصولنا ظننا أننا أخطأنا بالعنوان لندرة الحضور، ثم توجهنا إلى القاعة، التي كان الحضور بها متواضعاً لدرجة لا تصدق .. حوالى مئتي شخص، جلهم من العرب والمسلمين، غياب تام لأي مراسم...التابوت الذي يضم جثمانه الطاهر مسجى بالقاعة، وفوقه شاشة تلفزيون عملاقة تظهر عليها بشكل بانوراما رتيبة، صور كتبه الكثيرة، وصور له تجمعه مع قادة ومفكرين وكتاب وشخصيات...لاحظت غياب كتابين له، وأعتقد، أنهما الأهم بالنسبة له - غير ترجمته للقرآن الكريم للغة الفرنسية ـ الأول، كتاب: 'الأساطير المؤسسة للدولة الصهيونية' الذي فند به مبالغات الهولوكوست، معتمداً على الوثائق التي لا يسمح بتدوالها، وهو الكتاب الذي حوكم من أجله تحت مسمى معاداة السامية، ورفض التراجع عن كتابه وتقبل الحكم الجائر بجرأة لا تليق إلا بأمثاله. والكتاب الثاني 'نداء للأحياء' والذي يؤكد فيه على القومية العربية، مؤكداً ان العروبة حقيقة قائمة، لأنها انتماء وتاريخ وحضارة في تلك القاعة 'المشؤومة' علمنا أن اسرته قررت أن تحرق جثمانه وان لا يصار إلى دفنه، وهذا يؤكد عدم رغبتهم بدفنه حسب الشريعة الإسلامية، ولا يستطيعون دفنه على التقاليد المسيحية لأنه توفي وهو مسلم، وأعتقد أن هذا القرار وراءه جهات خبيثة، أرادت أن تنتقم منه وهو ميت، بعد عدم استطاعتها النيل منه وهو على قيد الحياة. وهي إهانة مريعة لحرمة الأموات المسلمين عند وصول دورنا، لإلقاء النظرة الأخيرة وتوديعه، طلبت من الأصدقاء ان نلتف حول النعش وأن نقرأ عليه سورة الفاتحة بصوت مرتفع، توجهت بعدها إلى أرملته لتقديم واجب العزاء، اقتربت منها وصافحتها قائلاً: أتقدم منك بأصدق التعازي سيدتي، باسمي، و باسم الامة العربية التي احبها الراحل ودافع عن حقوقها العادلة.

والجدير ملاحظته أيضاً، غياب كامل لأي حضور دبلوماسي عربي وإسلامي، وغياب تام للفضائيات العربية والأجنبية، ولوسائل الإعلام الأخرى، وهذا أمر غريب لا يتناسب مع راحل كبير من قامة روجيه غارودي.

إرتأينا في اليوم التالي أن يصار إلى أقامة احتفال تأبيني له في باريس، تكريماً لرحيله ووفاء للخدمات الجلى التي قدمها في دفاعه عن قضايا الأمة العربية العادلة، وكما جرت العادة منذ أكثر من عشرين عاماً، تم الإتصال بإدارة 'الإيجيكا' حيث تم فعلاً حجز القاعة ليوم الخميس 21/6/2012، وبدأنا في إرسال الدعوات عبر كافة الوسائل المتاحة: إتصالات، إنترنت، إيميلات....الخ، بعد ظهر اليوم التالي 'الثلاثاء 19/6/2012' فوجئنا بإشعارنا من إدارة 'الإيجيكا' بالغاء تأجير القاعة في ملابسات مريبة، تحالفت بها إدارة الإيجيكا التي تتبع جمعية بروتستانية، مع مجموعة من شيوعيي الأمس في جمعية 'النداء الفرنسي ـ العربي'، في دلالة ثأرية من الراحل الكبير، لأنه تحول إلى الإسلام أولاً، وإنسحب من الحركة الشيوعية التي كان من ضمنها ثانياً

أصبنا بخيبة أمل كبيرة، وتشاورنا بالأمر المستغرب والمستهجن، وإستقر الرأي أن نطلب من مسجد باريس الكبير إقامة صلاة الغائب عن روحه بعد صلاة يوم الجمعة 22/6/2012، وتوجهنا مجدداً إلى المسجد لهذا الغرض... هناك كان عميد المسجد غائباً، والتقينا بنائبه...الذي حاول ان يتملص من الطلب تحت حجج و ذرائع واهية وغريبة منها على سبيل المثال: هل يجوز الصلاة على إنسان تم حرق جثمانه؟! وهل لديكم وثيقة قانونية تثبت أنه مسلم....الخ. طلبنا منه بهدوء ان حرق الجثمان لم يكن بإرادة الراحل، وهل أصبح على المسلم ان يثبت إسلامه بوثيقة رسمية؟!!وبعد حوار وجدل كان يحتد أحياناً، قال لنا بالحرف: هذه مسألة تحتاج لقرار سياسي، وأنا لا أستطيع ان أتحمل مثل هذا القرار... وهكذا خذلنا مجدداً.

أردت من هذه المقالة، أن أوضح للقارئ الكريم هذه الحقائق، التي تدلل على إنعدام الأخلاق عند البعض، وانعدام الوفاء عند البعض الآخر. وآثرت ترفعاً أن لاأذكر الأسماء، وإذا ما أقتضت الضرورة، أو إذا ما حاولت أي جهة أن تنفي ذلك، حينها سأعلن كل الأسماء، والأصدقاء الشهود على كل ما جرى

روجيه غارودي.... لك الرحمة في عليين.

كاتب مقيم في فرنسا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق